[glow=33CC00][ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;"][CELL="filter:;"][FONT=Mudir MT][SIZE=5][COLOR=darkred][ALIGN=center]العربية _ الرياض
تثير "مدائن صالح" الكثير من الجدل والنقاش سواء فيما يتعلق بزيارتها، أو حول ما ورد من اشكاليات تاريخية بين الباحثين العرب والأجانب، لاسيما في ظل محاولات إسرائيلية في التشكيك في عروبة الأنباط الذين سكنوا وأقاموا حضارة زاهرة في هذه المنطقة والادعاء بأنهم ينتمون إلى العبرانيين، كما يشير بعض المهتمين بالشأن السياحي أن تلك المواقع الأثرية الهامة تعاني من الإهمال وعدم إقبال السياح عليها رغم ما تحتويه من آثار جميلة.
ويعزو البعض ذلك الإهمال إلى "أسباب دينية" حيث يرى فريق من علماء الدين أن زيارة تلك الأماكن يجب أن لا تتضمن الإقامة أو النوم بها في حين يرى رهط آخر أن العقوبة التي نزلت بقوم النبي صالح كانت جراء "إفسادهم في الأرض" وليس لتشييدهم ذلك البنيان، وبالتالي دراسة تلك الآثار أصبحت أمرا ضروريا وليست خيارا لكشف حقبة تاريخية مهمة في تاريخ جزيرة العرب وتفنيد أي ادعاءات إسرائيلية.
معابد أم مساكن
تبعد مدائن صالح حوالي 22 كم شمال شرق مدينه العلا في السعودية، والتي يعتقد أنها هي التي جاء ذكرها في القران الكريم باسم "الحجر" كحاضرة ثمود قوم نبي الله صالح عليه السلام، وهي تقع على الطريق التجاري الرئيسي القديم الذي يربط جنوب الجزيرة العربية بشمالها والحجر هو التسمية القديمة لما يعرف حاليا مدائن صالح التي جاءت أخبارها في كثير من مؤلفات وكتب الرحالة اليونان والرومان القديم كأمثال استرابوا واستيفانوس.
وقد ورد ذكر "مدائن صالح" في العديد من كتب المؤلفين المسلمين القدماء، ويتضح بحسب الباحث السعودي د. عبد الرحمن الأنصاري أنه من خلال النقوش والكتابات النبطية على واجهات الكهوف والمنحدرات الصخرية بمدائن صالح بأن الأنباط سيطروا على هذه المنطقة في الفترة مابين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي.
وقد كشف الباحث الفرنسي في مجال الآثار العربية (باتريك فرنسيس) أن المناطق الأثرية في منطقة الخريبات "مقابر الأسود" والواقعة بمدائن صالح ما هي إلا معابد استخدمها الأنباط لممارسة طقوسهم الدينية خلافا لما قاله بعض المؤرخين بأنها مساكن للأنباط أو للحيانيين، مشيرا إلى النقوش والرموز الموجودة بالمنطقة الدالة على ذلك.
وقال باتريك أثناء زيارته لمدائن صالح مؤخرا لإعداده كتابا عن (العلا) لـ"لعربية.نت": "إن القبائل التي سكنت مدائن صالح هم الثموديين قوم نبي الله صالح ونحتوا من الجبال بيوتا لهم ثم عذبوا وأبيدوا، ثم أتت حضارة الأنباط وسكنوا تلك المنطقة".
وأشار فرنسيس إلى أن الأنباط استخدموا أرض كبيرة في المدائن وشيدوا فيها منازلهم التي كانت عبارة عن خيام مرصعة بالذهب حتى عرف عصر الأنباط بعصر شعوب الخيم، مبينا أنهم استخدموا مساكن الثموديين للقبور ودفن موتاهم بها حتى أتى الرومان وقضوا على حضارة الأنباط سنة 106 قبل الميلاد.
محاولات تشكيك إسرائيلية
وأكد باتريك أن حضارة الأنباط عربية، وأنهم كانوا عرب وترتيبهم الثموديين ثم النبطيون واللحيانيون, مشيرا إلى تعدد الآثار في مدائن صالح والتي هي عبارة عن نحت نبطي في الجبال بحسب قوله، وبين فرنسيس أنه اكتشف من خلال زيارته للمدائن كيف أن الأنباط استخدموا النحت في بناء قصورهم.
وعزا الباحث الفرنسي سبب تسمية جبل أم درج إلى وجود مدرج على الجبل على شكل درج يؤدي إلى نهاية كهف عميق جدا بنهايته معبد، وحول علو بعض واجهات المقابر لزخارف ونقوش مختلفة على أشكال زهور وصقور وأسود أرجع باتريك أسباب ذلك إلى أحد عقائد الثموديين حيث كان كل صاحب قصر يرسم المعبود الذي يقدسه.
من جانب آخر طالب د.عبد الرحمن الأنصاري، أستاذ آثار الجزيرة العربية وتاريخها بجامعة الملك سعود سابقا، بضرورة عقد ندوات في السعودية للتعريف بالدور الكبير الذي لعبه الأنباط في الوضع السياسي والاقتصادي في شمال غرب المملكة منذ النصف الأول من الألف الأولى قبل الميلاد.
وبين الأنصاري أن هناك محاولات إسرائيلية للتشكيك في عروبة الأنباط، لفتح الباب أمام التسلسل الإسرائيلي للحضارة النبطية، مشيرا إلى أن اليهود أبدوا في الآونة الأخيرة اهتماما كبيرا بالآثار النبطية، "هناك ادعاءات إسرائيلية بالتشكيك في عروبة الأنباط مستعينين بنقوش نبطية رغم أن هذه النقوش هي نبطية، وقد عاصر الأنباط الدولة الإسرائيلية الأولى".
وعن وجود بعض البرديات التي كتبت بلغة عبرية أكد الأنصاري أن هذه البرديات تتحدث عن أمور تتعلق بحضارة الأنباط العربية، كما طالب الأنصاري بحصر بعض البلدات الإسلامية القديمة في مدائن صالح لجعلها نموذجا للمدينة الإسلامية في السعودية، مشيرا إلى ضرورة فتح المجال أمام الشركات الخاصة لترميم المناطق والمنازل الأثرية بمدائن صالح والاستفادة منها في التنشيط السياحي وخاصة التي أصابتها عوامل التعرية.
ورفض الأنصاري ما قاله الباحث الفرنسي باتريك عن اكتشاف معابد للأنباط في منطقة الخريبات، حيث أن منطقة الخريبة ليس لها صلة بالأنباط ولم يبنوا معابد بها، مشيرا إلى أن معابد الأنباط تقع خلف جبل "الأثالب" بمدائن صالح إلى الشمال الشرقي من منطقه قصر البنت, "وهذا الجبل عبارة عن سلسلتين متوازيتين من الكتل الصخرية الضخمة الشاهقة الارتفاع تحصر بينهما واد ضيق له مدخل أضيق منه يقع في الجهة الشمالية".
وأوضح الأنصاري أن هذه المنطقة خصصت من قبل الأنباط لتكون مقر ممارسة طقوس دياناتهم لذلك وجدنا جوانب الوادي الداخلية ملئت بكتابات قديمة, كما توجد به الكثير من المحاريب المحفورة في الصخر وبها رموز معبوداتهم ذوشرى ومناه واللات ممثلين بثلاثة أعمدة حجرية داخل المحراب أو بالآنيتين يتوسطهما النسر رمز المعبود ذوشري, وأهم ما يميز هذه المنطقة وجود الديوان وهو الاسم المحلي الذي أطلق على مكان عبادتهم ويحمل رقم 15 وهو أول ما يقابل الزائر في منطقة الديوان عند مدخله الشمالي، وداخل منطقة الديوان أي في الوادي يوجد ثلاثة كهوف رقمت بأرقام (16,16أ,16 ب) بالإضافة إلى وجود مجرى ماء منحوت في واجهة الجبل الشرقي لتوصيل مياه الأمطار إلى الكهف المخصص لذلك وهو رقم 16.
وقال الأنصاري: "لقد شهدت منطقة الخريبة على أرضها مابين القرنين السادس والخامس قبل الميلاد تقريبا وربما قبل ذلك نشوء حضارات عريقة فكانت عاصمة لمملكة ديدان ومن ثم لحيان, كما كانت مركزا لدولة معين النازحة من جنوب الجزيرة العربية، حيث سميت (معين مصر) لعلاقاتها مع بطالمة مصر".
دور تجاري هام
ولعبت دولتا ديدان ولحيان - كما يذكر الأنصاري- دورا تجاريا هاما بارزا بين حضارات العالم القديم من الهند واليمن جنوبا إلى بلاد الشام والعراق ومصر شمالا وذلك لوقوعها على الطريق التجاري الرئيسي من اليمن شمالا إلى تدمر، مما أدى بدوره إلى مزيد من التمازج الحضاري بينها وبين العالم القديم واستمرت دولتا ديدان ولحيان إلى حين سقوطهما على يد الأنباط, "وبما أن مملكتي ديدان ولحيان تقعان على سلسلة الجبال الشرقية من البلدة القديمة فأثارهما عبارة عن كهوف نحتت على سفح جبل الخريبة وبشكل مكثف".
وذكر الأنصاري لـ"العربية.نت" أن أبرز معالم مدائن صالح هي مقبرة قصر الفريد لانفراده بكتلة فريد لانفراده بواجهته الكبيرة المميزة, أما واجهة هذه المقبرة شمالية بعرض 13.85م .على جانبيها عمودان بارزان بتاج نبطي, وتعتبر هذه الإضافة عنصر معماري جديد أضيف للواجهة ميز قصر الفريد عن غيره من المقابر، ويعلو هذه الأعمدة واجهة المقبرة الأفقية المكونة من العارض والإفريز والكورنيش الكلاسيكي والفاصل بين الأجزاء العلوية والسفلية والشريط والكورنيش المصري ثم نصفي الشرفة, "والملاحظ في نصفي الشرفة في هذا القصر أن النحات أكمل الدرجة الأولى العلوية بالنصف الأيسر بقطعتين من الحجر ليكمل الدرجة الخامسة مرجعا السبب في ذلك إلى تحقيق التوازن بين نصفي الشرفة يمينا ويسارا أو أن استكمال الدرجات بعدد خمس له مدلول عقائدي عند النبطي القديم".
للموضوع بقية