الجمعة 8 محرم 1431 ـ 25 ديسمبر 2009 العدد 3374 ـ السنة العاشرة
جريدة الوطن
محمد السحيمي
بين "دبـي" و"مدائن صالح"
العالمية أولاً؛ إذ حققتها "دبـي" تجارياً منذ عقدٍ من الزمن على الأقل، وحققتها "مدائن صالح" العام الماضي سياحياً، باعتبارها تراثاً عالمياً ترعاه منظمة "اليونسكو" بنت "الأمم المتحدة"! و"بعد النسيان" ثانياً؛ إذ حققتها "مدائن صالح" ـ نسبة إلى وجيهٍ من الدولة العباسية وليس إلى نبي الله/ "صالح " ـ منذ نحو ثلاثة آلاف سنة! وحققتها "دبـي" في الخيال فقط؛ وقت الأزمة المالية الأخيرة، التي أفزعت العالم، فعدَّها البعض ريحاً صرصراً عاتية، لن تغادر هذه المدينة الفتية إلا أطلالاً كقصر "البنت"، و"محلب الناقة"، و"الفيل"، وقصر "الفريد"، وغيرها من الآثار التي ينسبها كثيرٌ منا إلى قوم "ثمود"، وهي ليست إلاَّ من آثار "الأنباط" و"اللحيانيين" / 100سنة قبل الميلاد"! أما "ثمود"/ قوم "صالح" فلم يكتشف من آثارهم شيء حتى كتابة هذه السطور! وهي لابد أن تكون بيوتاً باذخة منحوتة من الجبال المدهشة مصداقاً لقوله تعالى: {وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين}، وليست مجرَّد قبورٍ لأثرياء ووجهاء، لم يكتمل بعضها؛ لاجتياح "اليونان" الحِجْرَ/ الاسم التاريخي لمدائن صالح!
ومن شاهد هذه الجبال المنحوتة آياتٍ من الفن والإبداع ـ سواءٌ ما نَحَتَتْهُ يد البشر، أو ما يرى الباحثون أنمَّا نَحَتَتْه "عوامل التعرية" بإزميل الماء، وأنامل الرياح ـ لابد أن يتخيل "دبـي" بعد ألفي عامٍ من الآن: ماذا سيكتشف أحفادنا منها؟ سطوح "الميريلاند": يتقافزون عليها كما نتقافز على سطوح قرية "العُلا" القديمة، المقامة منذ سبعة قرون بتلاحم عجيب، وحميمية جعلت أكثر من سبعمئة وحدةٍ سكنية تبدو بيتاً واحداً يحوي مئات الغرف، قابلاً للتوسع إلى ما لا نهاية؟ وهل سيفسرون التصاميم الهندسية المذهلة لشاطئ "النخلة" بعوامل التعرية؟ وهل سيقولون: إن "أتلانتِس"، و"برج العرب"، و"أبراج الإمارات" كانت قبوراً لهوامير المساهمين في "دبي العالمية"، قبل أن تفزع "أبوظبي" وتسدِّد مستحقاتهم؟ وهل سيسمُّون نصف القبَّة البيضاء: "مَحْلَبَ اتصالات دبـي"؟ وهل سيستنتجون من أطلال "الوايد وادي" أن سكان "دبـي" ـ قبل ألفي سنة على الأقل، انتبهوا ـ كانوا بارعين في تصريف المياه، والسيول، و"بحيرات المسك"، كما تدل آثار "الأنباط" المكتشفة اليوم؟ وهل سيقولون: إن المخلوقات كانت أضخم مئات المرَّات من أحجام مخلوقاتهم، معتبرين ما وجدوه من قاطرات "المترو" بعض أجزاء من "أم 44"؟ وكيف سيتخيَّلون أحجامنا وهم أحفاد "حسن آل عامر"؟ وهل سيعتقدون أنها بلد الرومانسية والحب العذري، بناءً على ما يفكون شفرته من مهايطات "شاعر المليون"؟ و... أين سرحتُمْتُنَّ؟ المراد: أنَّ الحجر/ "مدائن صالح" ساحةٌ بكرٌ لمئات البحوث، وبيئة خصبةٌ لمشاريع التنقيب عن الآثار، والكشف، عن مساراتٍ ممهَّدةٍ، ومطاعم، و"دورات مياه" تخدم الذين "يسيحون" فيها كالزبدة!